تغطية أحمد السروجي
هذه تغطية جزئية لمحاضرة الدكتورة داليا وهدان، التي قُدمت في إطار مشروع “سكة معارف” بالتعاون مع جمعية النهضة – جيزويت في القاهرة في 30 مارس 2019. النص لا يعكس بالضرورة المحاضرة بدقة، ولم يرصد جميع المناقشات التي دارت حولها.
تقديم:
في الجلسة دي، حنكمل اللي أمنية قالته آخر مرة ونستعيد جملة “الشخصي سياسي” في إطار كلامنا عن العمران والعنف وعلاقتهما. في 1997، قدمت ورقة بحثية كان الهدف العام منها هو البحث في العلاقة بين ما هو شخصي والاقتصاد السياسي. ولذلك، حنبدأ بالكلام عن الشخصي السياسي، التخطيط الشامل وفكرة المواطن الفاضل في المدينة الفاضلة. واحدة من الأطر اللي اخترت الكلام عنها هي فنون العشوائية: يعني إيه تقسيمات إدارية؟ مناطق غير آمنة؟ مناطق درجة أولي وتانية؟ توصيم مناطق باعتبارها “سرطانية” (مثلا الوراق ح تتحول من بؤرة سرطانية لبؤرة ثقافية)؟ الإخلال المتدرج أو الاعتباطي؟ حنتكلم برضه عن “فنون التمرد” ونص insurgent citizenship – المواطنة المتمردة في العمران، بعض الاستراتيجيات للتحايل والحصول على مكان في المدينة (مثال: سكن مؤقت، تواجد ليلي). حنتكلم عن “التطوير العقاري” و “أسلحة المعمار الشامل”. فكرة المعمار المتمرد والعدالة المكانية؛ مفاهيمها وإزاي تحولت من المعمار الشامل للعدالة من القاع.
1/
خلينا نبتدي ببيت جدي، وهو كان عنوان الورقة البحثية اللي كتبتها: قدام سرايا القبة، قيلا تقارب القصر. جدي تم استدعاءه من قبل عبد الناصر للمشاركة في نهضة مصر وخلافه. البيت كان مقسوم نصين؛ الناس المهمة والقلاضيش. تابعت الحاجة عطر (عطور الجيب)؛ اخدت دور البدروم كله واجرّته. لما رجعتلها سنة 1980 عرفت إنها تاجرت في حاجات مختلفة واللي خلاها عارفة تاخد الدور التالت. ده كان شئ مؤذي لبقية العيلة. خالي رجع من بره عشان ياخد البيت وساوم الحاجة عطر على نصيبها وقرره طرد وإزالة كل المنطقة اللي تحت واللي هي حوالي 15 أوضة. كانت أول مرة بيت أثري بهذا الشكل يتهد ويتبني مكانه برج سكني، لم يتم مراعاة البيئة العمرانية. والحاجة عطر اشتريت البرج كله.
روحت سألت برضه عن عم زيدان – الطباخ – وشوفت مصير سئ من العوز. ده خلاني اهتم بحاجات كتيرة، أهمها الإخلاء. سألت نفسي هو إيه الفرق ما بين إن مهندس مدني يبني كباري وخلافه. ليه خالي قرر يبقى مقاول بناء مش مهندس معماري؟ ليه آثر يتاجر في العقار بدل ما يشتغل في مشاريع كتيرة. ومن هنا عرفت امسك العلاقة ما بين ما هو شخصي وسؤال الاقتصاد السياسي. سؤال أكبر: يعني إيه مشروع قومي؟ ما يمكن يكون الاتجار بالعقار هو مشروع قومي. ما هي المشروعات القومية؟ ويعني إيه استراتيجيات ليها علاقة بالمشروعات القومية (مثل الإخلاء والطرد وخلافه)؟
تعالوا ننتقل للوضع الحالي ونشوف فكرة ظهور أشكال أخرى من المشروعات القومية وعلاقتها بالمواطنة وأشياء شبيهة.
2/
الفيديو اللي اتفرجنا عليه بسط الفاعلين لتلات فئات: المستثمر اللي عارف عاوز إيه، الدولة اللي بتخدمه، الناس المغلوبين على أمرهم. الحقيقة إن الواقع أكثر تعقيدا من كده. عاوز اتكلم عن فكرة إن الحكومة بتنفذ إجراءات لصالح المستثمر وإن المواطنين مغلوبين على أمرهم. تعالوا نبص على فكرة إن الحكومة بتنفذ المشروعات لحد تاني. الحكومة نفسها بدأت تتاجر في العقار. أكيد في أساليب أخرى غير البولدوزر اللي بتستخدمه الدولة. بيتم استخدام مصطلحات – زي في جنوب سيناء –إن في 600 كيلو لازم يتم إخلاءهم أو تغيير وضعهم القانوني (بسبب “الأمن القومي مثلا) وده مهم نفهمه عشان نعرف إيه الدولة اللي بنتعامل معاها. هل الدولة لسا هي بتاعة المشروعات القومية الكبيرة ولا تحولنا لدولة من نوع تاني؟
فيه ممارسات من قبيل: اللي ليهم تشبيك مع الأمن هما اللي ليهم سكن جديد. نلغي إننا نطلعهم بطاقات جديدة في المنطقة دي عشان ما يعرفوش يثبتوا أحقيتهم القانونية. من ضمن ممارسات الإزالة هي نشر الإشاعات: قرار نزل إن 70 متر من المنطقة (أ) ل(ب) حتتشال. البُعاد يقولوا أنا مالي. فرّق الناس فما يبقاش فيه إمكانية للتضامن. ممارسة تانية إنه ما يتقالش إيه مواصفات الناس اللي ليهم أحقية في المناطق الجديدة. المُقدم للسكن الجديدة ممكن يترواح ما بين 4 ل5 آلاف جنيه. الممارسات دي أدت إنه مثلا إني باني ومأجر. اروح امضّي المأجرين على وصالات أمانة بمبلغ الشقة. ده أدي إلى إفقار مضاعف: (أ) ليس لي حق توريث الشقة الجديدة، (ب) رجوع الناس للمناطق دي بعد رحيلهم، (ج) تغذية فكرة توصيم العشوائية: يسيب السكن الجديد ويرجع العشوائية. دي ممارسات بطلق عليها “فن العشوائية من قبل الحكومة”.
فيه ممارسات أخرى تبدو قانونية جدا زي تغيير التعريفات. في 2015، طلعت خريطة قومية للمناطق العشوائية وتم تقسيمهم لمناطق آمنة وأخرى غير آمنة (زي إنها تكون جنب سكك الحديد أو منطقة زلزال). فيه ارتباط ما بين سعر الأرض والمنطقة غير آمنة. فيه مرحلة تانية، محطوطها كأماكن قابلة لإعادة التخطيط: مفيش تعريف إجرائي لإعادة التخطيط. لغاية 92، العلاقة كانت تمام بين الحكومة والإسكان؛ ممكن تلجأ للمحكمة المستعجلة كمواطن. طلعت الحكومة قرار إن المحكمة المستعجلة لا تستطيع الطعن على قرارات المحكمة الإدارية. الدولة ساعتها كان ليها أسلوب آخر في التعامل مع السكان؛ مكنش بالضرورة بولدوزر خالص. مثلا، سنة 78، أول مشروع بيقول ح نديهم مرافق وملكية الأرض، حتى لو ملكية تعاونية. سنة 1979 كان فيه فرج حيث إن معظم المعونة الأمريكية بتروح لمشروعات بنية تحتية وكانت سياسة الحكومة بتميل لتوفيق أوضاع سكان العشوائيات. في التمانينات، دخلنا مرحلة economic restructuring – الهيكلة الاقتصادية. سنة 1992 مهمة عشان الزلزال والمشكلة اللي حصلت في إمبابة الغربية. في فلوس المعونة جاية عشان البنية التحيتة لكن ح نستخدمها بصورة أمنية: التوصيم ظهر في المرحلة دي. المناطق دي مش إسكان أهالي، لأ دول حرامية وإرهابيين. في 1993، اتعملت أول استراتيجية قومية للعشوائيات، رجعنا للتخطيط الاستراتيجي من فوق: مناطق عشوائية ومضرة (مناطق غير منتجة). لو الدولة عاوزة تعمل انتعاش اقتصادي لازم نفهم طبيعة شغل المواطنين دي.
استمر التغير في القوانين بين الموافقة ما بين الأمن القومي والتخطيط العمراني. مهم نشوف برضه دخول منظمات المجتمع المدني الشغالة في التنمية ودول عندهم خطة بيزنس بتاعتهم لازم تبتدي تجيب فلوس في خط زمني معين. بعد 25 يناير، مثلا في الحطابة، اللي فيها طوب أحمر وآثار وخرابات. سألت أحد الأهالي “إيه ده؟”، قالي كل الأحمر ده ثورة. في المرحلة اللي على طول بعد 18 يوم في الثورة، كان في انتعاش في تشييد المناطق الأهلية من قبل مواطنيها. بيبنوا بسرعة شديدة: بيت مبني من 5 أدوار في 10 أيام. استمر الوضع كده. في سنة 2014، قررت الدولة إنها مش ح تفضل تدخل خناقات على الأرض، نعملهم وزارة “التطوير الحضري والعشوائيات” ورجعوا في كلامهم بعد 8 أشهر.
الانتقال بين التخطيط الشامل والفوقي والخطط الخمسية وفكرة اليوتوبيات والمدينة الفاضلة – مش بالضرورة أدى إلى ظهور المدينة الفاضلة. تطور الوضع إن المواطن مع الحكومة داخلين في رقصة سوا. مثلا بتوع الحصر بيضطروا ييجوا بليل والصبح عشان يعرفوا مين ضحك عليهم. احنا معندناش تصور نهائي للدولة وأفكارها ولا نعرف مبادرات المواطنين لكن ممكن نعرف على مايكرو ليفل إيه اللي بيحصل. صعب حصر سياسات الدولة وتعرفي رايحة في انهي اتجاه. في حالة عمرانية لا تقدري تقولي عليها مخططة ولا عشوائية ولا فوضوية ولا رأسمالية. ممكن نقول عليها حالة عمرانية. افضل توصيفها إنها مواطنة متمردة.
3/
معالم المدينة المستقبلية:
مصر خالية من العشوائيات مرتبطة بفكرة التطوير العقاري وأسلحة البناء الشامل. إيه معالم مصر الخالية من العشوائيات؟ لو بصيتم على الخطط الخمسية أيام الستينات ح تلاقوا إنها تقريب فعلا خطة: جزء ديموجرافي، جيولوجي، معماري، هندسي. تعالوا بصوا على المخططات الاستراتيجية الحالية (مصر 2030/2050)، ح تلاقوا سيطرة رسم الخرائط على التخطيط. لازم نقلب فكرة التخطيط رأسا على عقب. ما نخليش الخريطة اللي تتحكم في عملية التخطيط. الخريطة مجرد تكنولوجية بالمعني التقني. الخريطة ملهاش خطة سيئة لكن التخطيط ممكن، ممكن تحاجج ضده.
مقتطفات من النقاش:
الاختلاف اللي حصل في العمران هو الفرق ما بين الرأسمالية الصناعية والمالية (والعقارية) حيث إن قيمة الأرض سعرها لازم يكون متغير. مفيش حد في مأمن: مش بس الأماكن الخطرة اللي ممكن تتشال، أبدا. أي منطقة ممكن يتم تدميرها. دبي مثلا عندها قانون إنه بعد 25 سنة، أي مبنى لازم يتم تدميره وإعادة بناءه. في 2008، مبارك عمل المجلس الأعلى للمجلس الدولة؛ كان تشكيله تلات تربع مستثمرين خاص والباقي أعضاء الإدارة والحكومة.
بخصوص الدولة ومفاوضاتها واللوائح: في إجابة نظرية وأخرى من الأرض. الأرض الأول عشان أسهل. لما تنزلي أماكن حضرية – بالذات اللي عليها خلافات – مكونة من ناس نزحوا وقعدوا وتمركزوا بطرق مختلفة مع دخول حركات أيدولوجية، بقى فيه عنصر آخر (تضامن عرقي مثلا) وده اللي دخل كمان عنصر الأمن. في الأسواق: مثلا، اللي بياخد النصبة نفسه مش هو اللي جي، فيه ظابط هو اللي جايبهاله. ديناميكيات الملكية والمخاطرات الموجودة متداخلة في الدولة. الدولة جواها فيه تضاربات.
إزاي سياسات الدولة اختلفت حسب الظروف الاقتصادية والسياسية؟ ده بيرجعلي للتسعينات وجمهورية إمبابة وده اللي حصل بعد أحداث 86. افتكر في نص التسعينات أو اواخرها كان في مشروع “حيازة الأراضي”: مشروع واحد فيه أموال طائلة وبدأوا يحطوا تصور وأساس المشكلة إزاي يحصروا ممتكلات المصريين عشان يدخلوا الكهرباء ثم يعملوا سند حيازة. استمروا 3 سنوات ولكن فجأة انتهوا. النموذج نفسوا كان فيه مشكلة. لكن المثير للاهتمام الحكومة كانت متحمسة، كانوا عاوزين يطلعوا فلوس بأي تمن من المناطق. الناس كانت بتقف قصادهم، مش بيدخلوهم بيوتهم. المشكلة كانت ازاي ح نعرف. بفكر النهرده لو كان المشروع نفع، هل ده كان إدى سند حيازة بجد للي الناس اللي بيشيلوهم النهرده وإلي أي مدى حصل تحول جذري النهرده لعدم تقنين أوضاع الناس وأننا نشتغل بالبولدوزر؟ النقلة دي بتقول إيه على النهرده؟ انا النهرده بحاول اقضي علي إيه وأعيد تشكيل إيه؟ مش بخلق مدينة على مزاج حد لكن نموذج.
سؤال أحد الحاضرين: العنوان هو العمران والعنف: قوليلنا في وسط كل فهمنا للي اتكلمتي عنه، ممكن نشوف التحليل بتاع العمران في علاقته بالعنف إزاي؟ هل له علاقة كمان بالعنف في سياقه اليومي؟
بقيت بشوف العنف بقى شئ “عادي”. يعني إيه ست بعيالها ساكنة في بيت بدون سقف أو ممكن تطرد في أي لحظة. كل دي ظروف عنف. غياب أي خصوصية، تصميم المكان هو كده، بيعرضني لكل أنواع انتهاك الخصوصية لكن في نفس الوقت ده بيبني علاقات وترابط ما. انا ضد التخطيط اللي من فوق، لازم الناس نفسها هي اللي بتقرر إيه المدن الآمنة. بالنسبة لي الأمن مثلا إن بنتي تروح المدرسة في أمان وإني مضطرش امضي وصولات أمانة. لو دخلنا في مرحلة مفيهاش دولة وفتحناها للتشبيك الاجتماعي، هل ده ح يكون أكثر عدالة؟ بالنسبة المدن الآمنة، ما دام عندنا قدرة على أننا نعّرف المدن بطريقتنا إحنا، يبقى دي مدينة آمنة وناجحة.