النيوليبرالية “نصبت علينا” لنكافح التغير المناخي كأفراد

كفاك انشغالاً بمدى مراعاة أسلوب حياتك للبيئة، ولنبدأ في مواجهة نفوذ الشركات!

بقلم مارتن لوكاتش، صدر في الجارديان.

ترجمة: نادر هشام – ضمن أنشطة معمل الترجمة والكتابة 2019″، سكة معارف.

هل من المنطقي أن تنصح شخصاً نشب حريق في منزله بأن يطفئ الحريق بمنشفة؟ أو أن يستخدم صاعق حشرات في معركة بالطلق الناري؟ ومع ذلك فإن النصائح التي نتلقاها بخصوص التغير المناخي هي أبعد ما تكون عن مواكبة طبيعة الأزمة وخطورتها.

رأيت في بريدي الإلكتروني الخاص الأسبوع الماضي ثلاثين اقتراحاً لأجل “جعل مساحة مكتبي خضراء [مراعية للبيئة]”، ومنها: استخدام الأقلام القابلة للتدوير، وإعادة تزيين المكتب بالألوان الزاهية، وعدم استخدام المصعد.

وبعد العودة إلى المنزل، وبعد أن أنهكتني السلالم، أمكنني النظر إلى اقتراحات اخرى مثل: تغيير المصابيح الكهربية، شراء خضروات بلدية، شراء أجهزة صديقة للبيئة، تركيب لوح طاقة شمسية على سطح منزلي.

وقد نُشرت دراسة يوم الخميس، زعمت أنها اكتشفت “أفضل” طريقة لمحاربة التغير المناخي: أن أقسم على ألا أنجب طفلاً أبداً.

يبدو أن هذه الإرشادات والتعليمات التي تبتز الأفراد للتوجه إلى التحرك الفردي، المنتشرة في إعلانات الشركات، والكتب المدرسية وحملات التوعية البيئية، والمنتشرة بشكل خاص وأكثر كثافة في الغرب، أقول يبدو أنها موجودة وطبيعية بالضبط كالهواء الذي نتنفسه. لكن كل هذا لا يخدم قضية البيئة إطلاقاً.

فبينما ننشغل نحن بجعل حياتنا خضراء، تعكف شركات الوقود الأُحفوري على جعل مجهوداتنا تلك عديمة الفائدة وغير مُجدية. فماذا بخصوص تقليل انبعاثات الكربون منذ 1988؟ حيث أن هناك 100 شركة فقط مسؤولة وحدها عما يقارب نسبة 71% من الانبعاثات الكربونية في العالم. انشغل أنت بتلك الأقلام القابلة للتدوير وبلوح الطاقة الشمسية على سطوح بيتك، بينما هم مستمرون في حرق الكوكب بهمة واقتدار.

إن الحرية التي تتمتع بها تلك الشركات في التلويث – والهوس الفردي بعيش حياة فردية هزيلة ناحلة في المقابل – لم يأت من قبيل المصادفة، بل هو نتاج صراع أيديولوجي استمر منذ 40 عاماً ضد أي احتمالية للإقدام على العمل الجماعي، وقد نجح نجاحاً رهيباً، ولكن هذا لا يعني أن الأوان قد فات.

يستند المشروع السياسي للنيوليبرالية، الذي صعد وتبوأ الصدارة على يد ريجان وتاتشر، إلى هدفين رئيسيين: الأول يتمثل في كسر أي حاجز أمام حرية الكيانات الخاصة في التصرف، والثاني هو استخدام نفس تلك الحواجز للوقوف امام أي تحرك ديمقراطي يجسد الإرادة العامة.

وقد ساهمت السياسات الرئيسية للنيوليبرالية، من خصخصة وإلغاء الضوابط التنظيمية وتخفيضات الضرائب وصفقات التجارة الحرة، في تمكين تلك الشركات من تجميع أرباح هائلة على حساب الغلاف الجوي ومعاملته كما لو كان مكب نفايات. وكذلك تعطيل قدرتنا، من خلال أداة الدولة، على التخطيط لرفاهنا الجماعي.

وقد أصبح أي شيء يشبه المحاسبة الجماعية لسلطة الشركات هدفاً للنخبة: حيث ساهمت عوامل مثل إنشاء جماعات الضغط وتبرعات الشركات، وإجهاض الديمقراطيات، في الوقوف كعقبة أمام السياسات الخضراء واستمرار تدفق الدعم للوقود الأُحفوري. وقد أصبح مثلاً الحق في تكوين النقابات، وهو أكثر الوسائل الفعالة للعمال لممارسة السلطة، شيئاً يتم عرقلته وقتما تسنح الفرصة لذلك.

وفي نفس اللحظة التي يتطلب فيها تغير المناخ استجابة جماعية غير مسبوقة، تقف الأيديولوجية النيوليبرالية كعقبة في الطريق لذلك. ولهذا السبب إذا أردنا خفض انبعاثات الكربون بسرعة، فسوف نحتاج إلى التغلب على عقبات السوق الحرة من خلال إعادة السكك الحديدية والمرافق وشبكات الطاقة إلى القطاع العام، تنظيم الشركات للتخلص التدريجي من الوقود الأُحفوري، رفع الضرائب لتشجيع الاستثمار في البنية التحتية الصديقة للمناخ والطاقة المتجددة. وذلك حتى تتمكن الألواح الشمسية من الانتشار على أسطُح جميع المنازل، وليس فقط على أسطُح من يستطيعون تحمل تكاليفها.

ولم تكتف النيوليبرالية بتعريف تلك الأجندة بأنها غير واقعية من الناحية السياسية فحسب، بل حاولت أيضاً جعلها غير قابلة للتفكير كثقافة استهلاك في المجتمع. إن احتفاؤها بالمصالح التنافسية المفرطة والفردية المفرطة، قد أضعَفَ من روابطنا الاجتماعية. وقد انتشرت مقولات خبيثة بمثابة سموم مناهضة للمجتمع مثل ما عبرت عنه تاتشر: “لا يوجد شئ اسمه مجتمع”.

وتشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين نشأوا في ظل هذه الحقبة أصبحوا بالفعل أكثر “فرديةً واستهلاكاً”، غارقين في ثقافة تخبرنا أن نفكر في أنفسنا كمستهلكين أكثر من كوننا مواطنين، والاعتماد على الذات بدلاً من الاعتماد على بعضنا البعض، فهل من الغريب أننا نتعامل مع مشاكل منهجية متعلقة ببنية النظام ككل بجهود فردية غير فعالة؟ الإجابة هي أننا كلنا أبناء تاتشر.

وحتى قبل صعود النيوليبرالية، فقد كان الاقتصاد الرأسمالي مزدهراً، ثابت القواعد بفضل الناس الذين كانوا يعتقدون أن مشاكل هيكلية مثل الفقر والبطالة وسوء الصحة تعود إلى عيوب في شخصية من يعانون من هذه المشكلات.

ولقد استطاعت النيوليبرالية تغذية هذا الشعور باللوم للذات جيداً، حيث أنها لا تجعلك فقط تشعر بالذنب بسبب عدم الحصول على وظيفة جديدة، أو لعدم قدرتك على سداد الديون. ليس ذلك فحسب، لأنك أصبحت أيضاً مسؤولاً بصفة فردية عن عبء الانهيار المُحتَمَل للنظام البيئي.

بالطبع نحن بحاجة إلى أن يستهلك الناس أقل، وإلى ابتكار بدائل مُخفِضة للانبعاثات الكربونية، وبناء مزارع مستدامة وطرق للتخلص من النفايات. ولكن الخيارات الفردية ستُحسَم أكثر عندما يكون النظام الاقتصادي قادراً على توفير خيارات في متناول اليد للجميع، وليس فقط عدد قليل من الأثرياء أو المتحدين بجرأة للتغير المناخي.

وإذا لم يكن النقل الجماعي ميسور التكلفة متاحاً للكل، فسيلجأ الناس بالطبع لاستخدام السيارات. وإذا استمرت تدفقات البضائع ذات الإنتاج الضخم إلى ما لا نهاية، فسوف يقومون بالشراء والشراء والشراء إلى ما لا نهاية أيضاً. وهذا بالتحديد هو هدف النيوليبرالية: وهو محاولة إقناعنا أن معالجة التغير المناخي يتم بقراءة بعض الكتيبات، وليس من خلال ممارسة السياسة.

قد يساعدك نظام الاستهلاك الصديق للبيئة في تقليل الشعور بالذنب. ولكن في النهاية فالحركات الجماهيرية وحدها هي القادرة على تغيير مسار أزمة التغير المناخي. وهذا يتطلب منا بشكل مبدأي أن نتخلى عن قناعات النيوليبرالية، والتوقف عن التفكير كأفراد أو مستهلكين.

ولا يوجد أكثر من مثال جيرمي كوربن الذي أوضح في بيانه العمالي مشروع لإعادة توزيع الأدوار لمواجهة التغير المناخي: عن طريق إعادة هيكلة الاقتصاد، والإصرار على إبعاد النُخبة الأوليجاركية للشركات عن الحكم والتدخل في صناعة القرار. وقد اعتبرت النخبة السياسية والإعلامية طرح كوربن القائل بضرورة تحمل الأثرياء لتكلفة ذلك التحول أمر مثير للسخرية والضحك.

لذا عليك أن تزرع الجَزَر وتركب الدراجة لتشعر بالسعادة والصحة. ولكن لا مفر من فكرة أنه قد حان الوقت للتوقف عن الهوس بنمط حياتنا بشكل فردي وكيف يكون، وأن نبدأ في مواجهة الشركات التي تُلوث مناخنا، وبشكل جماعي.

أضف تعليق