تغطية الجلسة الأولى: الكتابة الإثنروجرافية

قراءة  للجلسة الأولى “سكة معارف”

الكتابة الإثنوجرافية: تطبيق لرؤية الفلاح المصري للتاريخ والزمن

تغطية مي عامر

IMG_6607

 

تعود “سكة معارف” وهو المشروع المعرفي المعنى  بتقديم  مفاهيم و منهجيات العلوم الاجتماعية والإنسانية للمهتمين/ات خارج المساحات الأكاديمية، وقد اهتمت لسنوات بتطويع النظريات الاجتماعية في قراءة المجتمع المصري وتحليل قضاياه وظواهره.

أما عن الموسم الجديد ، فتحاول مجموعة سكة معارف من خلال تجارب عدد من الباحثين في مجالات مختلفة من العلوم الاجتماعية والإنسانية، تعريف المشاركين ب “سر الصنعة” أي الطرق والمناهج التي تتم بها الدراسات في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية – تلك هي المقدمة الترحيبية التي قدمتها ملك رشدى أستاذة علم الاجتماع.

أدارت ريم سعد أستاذة الانثربولوجي بالجامعة الأمريكية، اللقاء الأول لسكة معارف المُقام في جمعية النهضة العلمية الثقافية “جيزويت القاهرة” يوم 1 فبراير 2020 ، مُستعرضة فيه تجربتها في دراسة الدكتوراه حول رؤية الفلاحين لتاريخ مصر الحديث والتي اعتمدت فيها على المنهج الإثنوجرافي والملاحظة بالمُعايشة كأداة بحثية أثناء عملها الميداني في قرية صغيرة بمحافظة الفيوم، وكان الحضور قد قرأوا قبل الجلسة مقالا بحثيا اعتمد على أحد فصول الرسالة وهو الخاص بمفهوم الزمن لدى الفلاحين.[1]

بدأت ريم كلامها بالتالي: “احنا هنحاول نقرا بالعكس” وشرحت إننا ح نحاول بعد قراءة النص أن نحلل معا المشاهدات الإثنوجرافية المختلفة الواردة في النص النهائي وكأننا نسير من النص إلى السؤال وليس العكس، مُؤكِدة أن طبيعة البحث الإثنوجرافي لا يلتزم بنفس الخطوات السائدة في غيره من البحوث المختلفة، حيث تكون عملية الكتابة واختيار الألفاظ والاستعارات جزء لا يتجزأ من إنتاج المعرفة.

عن الظرف الزمانى والمكاني حكت ريم أن الدراسة تمت في عزبة في الفيوم و وسط فلاحين /ات معظمهم من مستأجري الأراضي، وقد تأثروا جميعا بالتغييرات التي أحدثها قانون الإصلاح الزراعي  تحديدا فيما يخص الأمان الإيجاري.

فيما يتعلق بالظرف التكنولوجي، تشرح ريم أنه خلى من الحواسب الآلية وبرامج إدخال البيانات، والذي جعلها تلجأ للكشاكيل اليدوية لإدارة بياناتها الكيفية وذلك عن طريق فهرستها حسب أسئلتها البحثية المختلفة. آمنت ريم بالفلاحين كفاعلين في التاريخ وبالتالي فإنها اعتبرت أن تاريخهم الشخصي بالضرورة جزء لا يتجزأ من التاريخ الوطني والقومي.

وجدت ريم في قصص المشاركين/ات معها في البحث تصورا خاص لإدراك متكامل لمعنى الزمن المرتبط بسعر البيضة على سبيل المثال، فإن البيضة التي تحركت من عشر قروش إلى 12 إلى 18 إلى 75 كانت شاهدة على حركة تتابع الزمن من حولهم، كذلك شعورهم بأن “زمان كانت الفلوس قليلة بس الخير موجود. أما دلوقتي الفلوس موجودة بس ماتجيبش حاجة”. وهو تصريح دال على علاقتهم بالتضخم الاقتصادي وسياسات الإصلاح الزراعي وتأثير النيوليبرالية على نمط معيشة الفلاح .

دعت ريم الحضور للقيام بتمرينات تفاعلية للتدريب على قراءة وإدارة البيانات الكيفية للمقابلات الإثنوجرافية، وفيها قُسّم الحضور إلى أربع مجموعات أخذت كل مجموعة نصوصا مقتطفة من مقابلة شاب في الثلاثينات ومقابلة ثانية مع أم لشاب آخر، وطلبت تأمل المجموعات للمقابلات وكتابة تصورهم حول الكيفية التي تؤثر بها العوامل الديموجرافية مثل الجندر والطبقة والسن المختلفة بين الشاب والأم في تصورهم عن الزمن وعلى تعاطيهم مع ظروفهم. كما شاركت ريم كشاكيلها التي جمعت فيها مقابلاتها مع الشركاء في البحث، وطلبت من المجموعات تًوقع الأسئلة البحثية التي يمكن أن تجيبها المقابلات.

بعد ساعة نقاشية بين المجموعات، عرضت كل مجموعة ما انتهت إليه حيث وجدت المجموعة الأولى ان الأم قاست الزمن بمعدل الهدوء والزحام حيث رأت أن الهدوء شجع على الترابط بين العلاقات الاجتماعية بينما أدى الزحام إلى العزل وهو في الدراسة يعنى (استقلال أسرة أحادية من بيت العائلة في منزل منفصل) ، بينما وجد الشاب أن “الدلوقتى” أي الحاضر يجبر الشباب على جمع أكبر كم من الأموال لتحقيق الأمان للأسرة وبالتالي فإن المقارنة المطروحة بين ما يمكن تحقيقه ماديا في مصر وما يمكن الوصول إليه في السفر إلى الخارج، حيث لاحظت المجموعة أن الفرق في الأدوار الجندرية بين الشاب والأم فتح مجالا لتفكير الشاب في السفر والهجرة بينما ظلت الأم تشتكي بُعد أولادها عنها وتحاول استكمال حياتها رغم ضيقها من ظرفها المادي.

أما المجموعة الثانية فقد التقطوا اهتمام الأم بالماضي وبصفاء العلاقات الاجتماعية غير القائمة على المصلحة، وانشغال الشاب بالمستقبل وتوفير الحاجات الأساسية لأسرته حتى لو اضطر إلى تركهم والسفر للخارج، ولاحظ أفراد المجموعة علاقة الخيال بالأم والابن، حيث وجدت المجموعة أن الشباب في المقابلات امتلكوا قدرات على التخيل وعلى المغامرة مكنتَهم من تصور واقع مختلف عن رؤية الأم.

صاغت المجموعة الثالثة طرحها في صياغة أدبية في محاولة لاستنباط الوضع السياسي وتأثيراته على سبل معيشة المشاركين /ات وعلاقتهم بالدولة ومشاعرهم تجاهها. وقد عبّروا عن ذلك بطرح مثال للشباب الذي يخطط للسفر  خارج البلاد بسبب عدم وجود بديل، و يشير ذلك إلى الظروف الاجتماعية والمؤسستية الأوسع التي تحيل من بقائهم في مصر. كما أن حقيقة سفر الكثير من هؤلاء الشباب إلى بلاد غير مستقرة لا سياسيا ولا أمنيا مثل ليبيا والعراق وما ينتج عنه من مخاطر محتملة، كاف ليشير حقيقة ما تكون عليه “الحياة على كف عفريت”

قرأت المجموعة الرابعة تعريف الأم للزمن في علاقته بالأكل، حيث دارت نوستالجية الأم  حول الأكل الجماعي على طبلية واحدة وافتقادها له في “الدلوقتى” (الحاضر) الذي انصرف كل واحد فيه للأكل بمفرده، كما التقطت المجموعة العلاقة العكسية بين الزمن وتوفر الموارد (وإحلال البركة فيها).

عبرت ريم عن سعادتها بقراءات المجموعات المتعددة للمقابلات، مؤكدة أن النص الإثنوجرافي دومًا ما يتميز بانفتاحه الدائم للإجابة على أسئلة متعددة أكثر مما يطرحه الباحث/ة في دراستها، كما أكدت ملك رشدي على أن النص الاثنوجرافي لريم يدعونا للتفكير في الزمن بشكل مختلف عن التصور الخطى الشائع عن الزمن بل ويخرجنا من ثنائية الماضي والحاضر.

كما علقت حنان سبع أستاذة الأنثروبولوجي بالجامعة الامريكية، على استخدام المجموعة الثالثة اللغة الأدبية في صياغة النص الإثنوجرافي، مؤكدة على خروج الكتابة الإثنوجرافية من حتمية كتابة النص الأنثروبولوجي الأكاديمي الجامد، مما يجعل الإثنوجرافيا تتجاوز كونها أداة بحثية إلى دور أكبر يمكن أن يساهم في الكتابة الأدبية حيث أن السرد الإثنوجرافي يمكن أن يشكل نصًا أدبيًا أو سيرة ذاتية مثلما يشكّل بحث أنثروبولوجي. كما أكدت على أهمية موقع الباحث في إنتاج المعرفة و إدراكه للسياق الزمني و المكاني الذي تتم فيه هذه العملية، مُدلِلة علي ذلك بمداخلات المجموعات الأربعة و أثّر الحاضر علي أطروحاتهم فيما يتعلق بالإشارة إلى الخيال والمشاعر و حتمية التغيير، و هي جوانب تحليلية لم تحتل حيزًا كبيرًا في الثمانيات من القرن الماضي.

وجّه  الحضور بعض الأسئلة على ريم حول تجربتها كباحثة، وموقعها في المجتمع البحثي، وعن كيفية فتح مساحات في مجال البحث خصوصًا أن بحثها تم في قرية /عزبة في الفيوم. كما سأل الحضور عن الطريقة التي تعاطيت بها ريم مع قصص المشاركين/ات والتي حملت الكثير من المعاناة في معظمها. حكت ريم عن قصص مختلفة لها خلال إقامتها في العزبة، حيث أكدت على أهمية قبول البيئة البحثية لها وتشجيعهم لشابة تمارس عملها البحثي لإنهاء الدكتوراه، مؤكدة على حساسيتها لموقعها الجندري والطبقي والعمري أثناء إجراء المقابلات.

 ————————————————————

[1] Reem Saad. “The two pasts of Nasser’s peasants: Political memories and everyday life in an Egyptian village”. In History and the Present Partha Chatterjee and Anjan Ghosh (eds) . New Delhi: Permanent Black Press. 2002

 

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s